ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تصل صواريخ حماس إلى عمق المدن الإسرائيلية خصوصا تل أبيب والقدس وهذه مسألة خطيرة جدا بالنسبة للإسرائيليين الذين كانوا يعتقدون أن مدنهم محمية وأن الصواريخ لا يمكن أن تصل اليها مهما كانت الظروف والأسباب ولأن هناك قبة حديدية تتصدى صواريخ الباتريوت الموجودة فيها إلى أي صاروخ يمكن أن يتجه إلى العمق الإسرائيلي لكن هذه القبة كما يدعي الإسرائيليون تصدت لحوالي تسعين صاروخا من خمسمائة صاروخ أطلقتها حماس على المدن الإسرائيلية .
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم يكن وليد الصدفة أو جاء بشكل مفاجيء فمنذ إعلان نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي زعيم حزب الليكود وليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي زعيم حزب إسرائيل بيتنا أن حزبيهما سيخوضان الإنتخابات القادمة في قائمة واحدة وهما يخططان للعدوان على قطاع غزة وذلك من أجل كسب أصوات الناخبين الإسرائيليين لكن يبدو أنهما لم يحسبا أي حساب للصواريخ الفلسطينية التي إنهمرت كالمطر على المدن الإسرائيلية .
الغارات الإسرائيلية لم تتوقف على قطاع غزة ولم تفرق بين طفل وشيخ وإمرأة وألحقت دمارا شديدا بالأبنية والمرافق العامة والبنية التحتية لكن كل ذلك لم ولن يؤثر على الروح المعنوية للفلسطينيين في القطاع فحروب التحرير لها دائما ثمن وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية تعتقد أنها قادرة على إخماد جذوة المقاومة في غزة وفي باقي المدن الفلسطينية فهي مخطئة تماما والتفوق العسكري الذي تفاخر به دائما ليس له أي قيمة إذا ما قرأ قادة إسرائيل التاريخ جيدا ففي فيتنام كان التفوق الأميركي خرافيا قياسا على قدرات الفيتناميين العسكرية ومع ذلك إستطاع الشعب الفيتنامي هزيمة أقوى دولة في العالم وفي إفغانستان إستطاع الإفغانيون هزيمة الإتحاد السوفييتي ولقنه الثوار الإفغان درسا لن ينساه أبدا مع الفرق الكبير بين قوة الروس في ذلك الوقت وقوة الشعب الإفغاني الفقير وهنالك العديد من الشواهد التاريخية التي تثبت أن النصر دائما للشعوب .
الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تراجع عن كل تصريحاته الخاصة بالقضية الفلسطينية عندما تسلم سلطاته الدستورية إتصل برئيس وزراء إسرائيل وقال له بأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وعن مواطنيها بكل الأساليب الممكنة وهذا يعني أنه موافق على العمليات لتي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وأن من حقها أن تقتل الأطفال والشيوخ والنساء وأن تدمر المباني السكنية ونسي رئيس أكبر دولة في العالم أن إسرائيل تحتل أراضي الفلسطينيين وأن الأراضي الفلسطينية هي الأراضي الوحيدة في العالم التي ما زالت ترزح تحت نير الإحتلال الإسرائيلي ولم يكتف بذلك بل أرسل وزيرة خارجيته إلى إسرائيل لتعلن أمام العالم أن بلادها تدعم إسرائيل وأمنها بدون حدود أما حقوق الإنسان التي تتشدق بها دائما دولة أوباما فهي لا تخص الفلسطينيين بل تحص دولا أخرى في المجاهل الإفريقية أو في بعض المقاطعات الصينية .
من حقنا أن نلوم الولايات المتحدة الأميركية وأن نلوم دول الإتحاد الأوروبي وأن نلوم مجلس الأمن الدولي على هذا الصمت المطبق تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لكننا نشعر بالخجل من الصمت العربي تجاه هذا العدوان ونتساءل عن فائدة الزيارات البروتوكولية التي يقوم بها بعض المسؤولين العرب إلى غزة بحجة التضامن مع أهلنا هناك وكيف يمكن أن يقبلوا أن يمد لهم البساط الأحمر المغمس بدماء أطفال غزة .
إن حصيلة العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة مئات الشهداء وآلاف الجرحى ودمار ليس له حدود لكن هذا الثمن يجب أن يدفع دفاعا عن الأرض الفلسطينية الغالية ودفاعا عن كرامة هذا الشعب بل وعن كرامة الأمة العربية فسلام عليكم يا شهداء غزة وسلام عليكم أيها المقاتلون الأبطال فقد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه .
*نزيه القسوس - الدستور الاردنية