وخلال استعراض المؤلف الاسس العقائدية التي بنيت عليها الاخلاق اليهودية يخرج في الصفحة (23) من كتابه بمحصلة قريبة جدا من الصواب بقوله: "لابد لنا من تقرير حقيقة ان قدرة اليهود على دمج توراتهم بالاناجيل ليطلق عليها جميعا اسم (الكتاب المقدس) بعهديه القديم (التوراة) والجديد (الانجيل)، كان ومازال الانتصار الاكبر الذي حققه الصهاينة، الامر الذي مكنهم من تهويد مسيحيي العالم دفعة واحدة."
نحن بدورنا نثني على هذه المحصلة الواقعية للمؤلف بالتاكيد على ان الصهيونية نجحت ايضا في تهويد بعض الحكام والمسؤولين و المثقفين في العالم العربي والاسلامي ، بدليل ما نشاهده اليوم من تحالف حميم بين آل سعود وآل ثاني وآل خليفة مع زعماء الكيان الارهابي الغاصب للقدس الشريف، الذي بدأ مؤخرا عدوانا غادرا على غزة راح ضحيتها حتى الان المئات من الشهداء والجرحى من ابناء الشعب الفلسطيني المحاصر منذ سنوات في هذا القطاع الصامد.
وعلى هذا الاساس لم يكن عبثا قيام واحد من العائلة المتحكمة في بلاد الحرمين الشريفين، هو الامير (نايف بن احمد آل سعود) وهو كما تصفه صحيفة "هاآرتس" صاحب القاب اكاديمية متقدمة من جامعة جورج تاون وجامعة كامبردج، واختصاصه هو التخطيط الاستراتيجي والعمليات الخاصة والدبلوماسية الدولية والحرب الالكترونية .. قيامه بامتداح رئيس كيان الاحتلال الصهيوني شمعون بيريز ودعوته ــ وهنا بيت القصيد ــ الى تشجيع الاسرائيليين والعرب على التعارف بواسطة الانترنت وباحاديث في الرياضة والتصوير وشؤون اخرى لانه ــ والكلام مازال للبروفيسور الامير ــ قد يكون هذا هو مستقبل السلام في الشرق الاوسط من اجل تعايش سلمي، مطالبا بدعم هذه الجهود باعتبارها جزءاً متطورا من السياسة الامنية السعودية؟!
ويتساوق هذا التنظير "الصهيو سعودي" مع الدعوة التي ما فتئ يكررها ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة منذ سنوات، وكانت قد وردت في مقالين له نشرتهما صحيفة "واشنطن بوست" وصحيفة "لوس انجلس تايمز" الاميركيتان ومفادها "دعوة القادة العرب الى مخاطبة الاسرائيليين من خلال وسائل اعلامهم لتسهيل جهود السلام في الشرق الاوسط للتعبير عن خيار غالبية الشعب العربي لتطبيع العلاقات مع اسرائيل".
أما آل ثاني فقد اتخذوا خطوات أبعد مما قد يتصور على مستوى التطبيع بين حكام الدوحة والصهاينة، سياسيا واعلاميا وتجاريا، وقد افادت آخر الانباء عن مساع يبذلها مكتب التجارة القطرية الاسرائيلية لترتيب زيارة يقوم بها طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية المعزول والمحكوم عليه بالاعدام غيابيا الى تل ابيب، وبما ينطوي عليه قيام مثل هذا اللقاء المريب من مخاطر محتملة على الامن الوطني والسلم الاهلي في بلاد وادي الرافدين التي تشهد تصعيدا طائفيا دمويا تموله الرياض والدوحة والمنامة على وجه خاص.
على صعيد متصل كلنا يتذكر "الاحدوثة" التي اطلقها وزير خارجية البحرين (خالد بن احمد آل خليفة) بالدعوة الى تأسيس ما اسماه بـ"التجمع الشرق الاوسطي" الذي يضم اضافة الى الدول العربية كلا من اسرائيل وتركيا وايران، معتبرا في تصريحات ادلى بها لصحيفة الحياة اللندنية "ان هذا هو السبيل الوحيد لحل المشاكل القائمة بين دول المنطقة".
وبعد ايام من هذه الدعوة الاستسلامية، بادر الكيان الصهيوني الى شن عدوانه الشامل على قطاع غزة الذي بدأ نهاية ديسمبر 2008 وانتهى في مطلع كانون الثاني 2009 وعلى مدى (22 يوما)، قاوم فيها المجاهدون الفلسطينيون ايما مقاومة، وتمكنوا رغم الحصار القاتل والغارات الجوية والصاروخية الحاقدة، من ردع هذه الحملة الاسرائيلية المدعومة بلا حدود اميركيا واوروبيا، وتقويضها تماما، فصنعوا بذلك الصمود الاسطوري توأما لانتصار تموز 2006 في لبنان وفرضوا على العالم كله معادلة الردع التي اشار اليها قبل ايام العلامة السيد حسن نصر الله في مهرجان (يوم الشهيد 14/11/2012).
لقد وجه انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان 2006 والمقاومة الاسلامية والوطنية في فلسطين (2008) ضربة قاصمة لاسطورة "جيش العدو الصهيوني الذي لا يقهر"، كما برهنا على حقيقة امكانية الحاق الهزيمة النهائية باسرائيل، في حين يحاول بعض الحكام العرب المتصهينين تهيئة الاجواء النفسية والسياسية والدعائية للأمة في سبيل الجنوح بوتيرة متسارعة نحوالتطبيع والتعايش مع غاصبي فلسطين والقدس الشريف على الرغم من ممارساتهم الاجرامية والارهابية التي تكاد تطبق انفاس اهلنا واخوتنا في ارض الاسراء والمعراج.
المؤكد ان الجزء الجديد من استراتيجية الحرب والعدوان الصهيونية على ابناء الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر، والتي استعرت مع مغادرة امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ونجل ملك البحرين ناصر بن حمد آل خليفة، ارض غزة بالامس القريب، يعطي نتيجة غير قابلة للتأويل او التشكيك، وهي ان الصهيونية لا تحترم العهود والمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحماية ارواح وممتلكات الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال منذ نحو (100) عام من جهة، كما انها لا تقيم وزنا ولا احتراما لمنظري فكرة التطبيع مع اسرائيل ــ خليجيين او غيرهم ــ من جهة اخرى، لان هذا الكيان قام في الاساس على سفك دماء سكان الارض الفلسطينيين وتشريدهم ومطاردتهم واغتيال قادتهم حتى وهم داخل الوطن او في المنافي.
بيد أن ثمة وجهة نظر واسعة الانتشار وتمثل الان حقيقة ملموسة قولا وعملا، وهي ان معادلة الردع التي باتت في حوزة قوى المقاومة الباسلة، ستظهر للعالم مفاجآت مهمة للغاية في الايام القليلة القادمة على مستوى دحر العدوان الصهيوني الغاشم على (غزة هاشم) واهلها، وتحول المعادلة لصالح ابناء الصحوة الاسلامية المباركة، وهم يخلدون هذه الايام ذکري تضحية الامام الحسين(ع) الفدائية في عاشوراء 61 هـ بارض كربلاء.
حميد حلمي زادة